النجاح علم نجعلك تتعلمه والتفوق فن نجعلك تتقنه

كيف تصنع الحياة

اكتشف الطاقة المذهلة في داخل نفسك

"ليس في هذا العالم قوة أعظم من فكرة حان وقتها" - فكتور هوغو

مقدمة

تتناول هذه الورقة أمرا في غاية الأهمية والخطورة، لعله أهم واخطر أمر في حياتك كلها على الإطلاق! أمر قد يغير حياتك تغييرا شاملا، وقد يحل لك أى مشكلات تواجهها، مهما كانت هذه المشكلات، مادية أو معنوية، عاطفية أو تجارية، دراسية أو سياسية، اجتماعية أو صحية، وان يحقق لك كل ما تريده من نجاح وصحة واحترام وسعادة في هذه الحياة.

ما أريد قوله لك، أيها القارئ الكريم، هو اكتشاف قديم جديد، يعتبره العارفون به، اكبر اكتشاف حققه الإنسان على الإطلاق. اكبر من اكتشاف الكهرباء والذرة والحاسب الإلكترونى.

ومن العجيب حقا أن اكثر الناس لا يعلمون بهذا الاكتشاف. والأكثر عجبا أن جميع الناس يلمسونه ويحسون به، ويمرون بتجارب وخبرات تتصل به دون أن يعرفوا ذلك.

لا أريد أن أطيل عليك، إذ لا شك انك متلهف ومتشوق لمعرفة هذا الاكتشاف العظيم ... انه العقل اللاواعي، ومنهم من يسميه العقل الباطن، أو القوة الكامنة، أو الإيمان. ولكننا سندعوه العقل اللاواعي Unconscious mind تمييزا له عن العقل الواعي Conscious mind.

إن أمر العقل اللاواعي أمر مدهش حقا، وأمر عجيب حقا. والأهم من ذلك انه أمر خطير حقا. فعندما يدرك الإنسان ماهية العقل اللاواعي وطبيعته، وعندما يعرف كيف يستخدمه استخداما صحيحا، فستكون له قوة غير محدودة، قوة قادرة على حل المشكلات، ومواجهة الصعاب، وتحقيق ما يصبو إليه بطريقة فذة رائعة.

إن كل إنسان يستخدم عقله اللاواعي كل يوم وليلة بطريقة غير واعية، وبطريقة عشوائية. فنرى البعض يحقق النجاح والسعادة في الحياة، ونرى البعض الآخر يصل إلى الفشل والتعاسة والشقاء. والفرق بين الفريقين، أن الأول استخدم عقله اللاواعي بشكل صحيح، والفريق الثاني استخدمه بشكل غير صحيح. وان كان الفريقان لم يخططا لذلك الاستخدام.

فماذا لو استطاع الإنسان أن يستخدم عقله اللاواعي بقصد وإرادة، وبطريقة مخططة مقننة. انه، كما سنرى بوضوح، يستطيع أن يصل إلى تحقيق أى هدف يريده، وان ينال أى شئ يبتغيه بطريقة رائعة مدهشة.

إن تقنية استخدام العقل اللاواعي يمكن أن تفيد أى إنسان، صغيرا كان أو كبيرا، رجلا أو امرأة، رئيسا أو مرؤسا، حاكما أو محكوما، فقيرا أو غنيا، قويا أو ضعيفا. كل إنسان يمكن أن يفيد من هذا الموضوع الهائل.

كما أن العقل اللاواعي يمكن أن يستخدم في الشؤون الشخصية والعائلية، وفي شؤون الأعمال والتجارة، وفي شؤون الدراسة والبحث، وفي شؤون السياسة والحكم، وفي شؤون الدعاية والإعلام، وفي علاج الأمراض النفسية والجسمية، وفي غير ذلك.

وبقدر ما للعقل الواعي من هذه الأهمية والخطورة، وهذا الأثر الكبير في حياة الإنسان، فان استخدامه ميسور لكل شخص، ولا يتطلب ذلك جهدا كبيرا. ولكن تجب العناية في أن تكون طريقة الاستخدام صحيحة، إذ أن الخطأ في ذلك ربما يؤدي إلى نتائج عكسية.

لقد استخدم العقل اللاواعي في مجالات كثيرة متنوعة، وكانت النتيجة نجاحا يفوق التصور. وإني على يقين من أن أى شخص يفهم العقل اللاواعي، ويتبع الطرق والأساليب الصحيحة لاستخدامه، فانه سوف يحقق نجاحا يفوق تصوره وتوقعاته، وسيصل إلى ما يريد بطريقة مذهلة.

إن فهمك للعقل اللاواعي واستخدامك له بالشكل الصحيح يعني ولادة جديدة لك، ويعني آفاقا لا حدود لها في حياتك الخاصة والعامة.

ما هو العقل اللاواعي

هل تذكر كم من المرات نسيت اسما لشخص، أو بلد، أو مكان، ولم تستطيع تذكره ولكنك فجأة، وأنت منشغل بأمر آخر، لا علاقة له بذلك الاسم، تتذكر ذلك الاسم أو البلد أو الكمان، وكأن أحدا أخبرك به؟

هل حدث لك انه في مناسبات معينة يتعين عليك أن تستيقظ مبكرا في ساعة معينة على غير عادتك، فإذا بك تنتفض من نومك قبل الموعد بدقائق، وكأن أحدا أيقظك؟

هل حدث لك انك كنت أمام مشكلة مستعصية لا تستطيع لها حلا، فإذا بك بعد ساعات، أو أيام، أو أسابيع تجد الحل الذي كان غائبا عنك فجأة ودون سابق إنذار؟

هل تذكر كم من المرات كان ذهنك منشغلا في مسألة وأنت تقود سيارتك في شوارع المدينة الغاصة بالسيارات. عقلك منشغل في حل مشكلة من المشاكل، أو في التخطيط لنشاط تجاري، أو اجتماعي، أو أدبى. وفي الوقت نفس تقود سيارتك بكفاية وأداء لا غبار عليهما؟

هل سمعت أو قرأت عن قصص، وأحداث، وأعمال، وإنجازات في التاريخ قام بها أشخاص هي اقرب ما تكون إلى الخيال منها إلى الواقع؟

ذلك هو العقل اللاواعي.

العقل اللاواعي هو الذي أسعفك باسم الشخص أو البلد الذي نسيته، وهو الذي أيقظك من نومك على غير عادتك، وهو الذي وجد الحل لمشكلتك المستعصية بعد أن أعطيته المشكلة ونسيتها. وهو الذي كان يقود سيارتك ويتحكم في يديك ورجليك وبصرك وسمعك وأنت منشغل بأمر آخر لا علاقة له بالسيارة وقيادتها. والعقل اللاواعي هو الذي كان وراء الأعمال والإنجازات العظيمة التي فرأتها في التاريخ.

العقل الواعي هو الذي يقود أحاديثنا ورؤانا وافتراضاتنا وقناعاتنا. أما العقل اللاواعي فهو الذي يصوغ حياتنا ومشاعرنا ونفسياتنا تبعا لتلك الرؤى والافتراضات والقناعات.

العقل الواعي كالفلاح الذي يضع البذور في التربة. والعقل اللاواعي كالتربة التي تحول البذور إلى ثمر طيب أكله.

العقل الواعي كقائد الطائرة الذي يوجهها ويقودها، والعقل اللاواعي كالمحركات النفاثة التي تدفع الطائرة وترتفع بها آلاف الأمتار.

العقل الواعي يتعلق بالموضوع ويتعلق بالمنطق. يدرك السبب والنتيجة. يتلقى معلوماته عن طريق الحواس، ويقابلها بما هو مخزون فيه من معلومات سابقة، فيحلل ويركب ويستنتج ويستقرئ.

أما العقل اللاواعي فهو يتعلق بالذات، أى العالم الداخلي للإنسان. وهو لا يفهم المنطق ولا يميز بين الخطأ والصواب.

العقل الواعي هو الموجه والمرشد الذي يقبل أو يرفض الفكرة. أما العقل اللاواعي فهو المنفذ الذي يقوم بتحقيق الأهداف التي اقرها العقل الواعي. أى أن العقل اللاواعي خاضع للعقل الواعي ومطيع له.

طاقة محايدة

العقل اللاواعي طاقة محايدة يمكن أن تغير حياة الإنسان تغييرا جذريا نحو الأفضل أو نحو الأسوأ، ويمكن أن يستعمل للخير أو للشر، للسعادة أو الشقاء، للغنى أو الفقر، للقوة أو الضعف، للصحة أو المرض، للنجاح أو الفشل. كل ذلك يعتمد على برمجة العقل الواعي للعقل اللاواعي. هذه البرمجة قد تكون، بدورها واعية أو غير واعية، مقصودة أو غير مقصودة، مخططة أو عشوائية.

في حالة البرمجة غير الواعية أو غير المقصودة أو العشوائية، يمكن للعقل الواعي أن يوجه الإنسان إلى أى اتجاه. فينتج عن ذلك أن يكون بعض الناس أشرارا وبعضهم أخيارا. بعضهم ناجحون وبعضهم فاشلون. بعضهم مبدعون وبعضهم مقلدون.

ولكن عندما يتم توجيه العقل اللاواعي وبرمجته، بوعي وتخطيط، نحو هدف معين، فانه سيقوم بتحقيق ذلك الهدف أيا كان نوعه وطبيعته.

ومن هنا تأتي الأهمية البالغة للعقل اللاواعي حيث يمكن أن يكون طاقة مدمرة، كما يمكن أن يكون طاقة بناءة. كل ذلك يعتمد على تحديد الأهداف والمقاصد، ثم توجيهه نحو تلك الأهداف والمقاصد.

قانون الإيمان

العقل اللاواعي هو جزء من القانون الطبيعي الذي خلقه الله تعالى. وهو يعمل طبقا لقانون الإيمان. الإيمان بمعناه اللغوي العام الشامل. وحيث أن الإيمان هو التفكير وما يترتب على التفكير من قبول أو رفض من قبل العقل الواعي، فان العقل اللاواعي خاضع للأيمان ومرتبط به، بل هو الإيمان نفسه.

وسيلة فذة

ذكرت لك انه يمكنك استخدام الطاقة الكامنة في العقل اللاواعي في جميع المجالات ولجميع الأغراض. وفيما يلي أمثلة من هذه المجالات:

تنمية الشخصية وشحذها

يرغب كل شخص في أن تكون شخصيته قوية، محترمة، محببة، مقتدرة، موثوقة، مؤثرة ... إلى آخر مفردات الجودة التي يتمناها ويريدها كل إنسان لنفسه. ذلك أن أمر المزايا الشخصية هو أهم ما يشغل بال الغالبية من الأفراد. فلكل فرد شعور بأنه يفتقر جزئيا أو كليا، إلى بعض الجوانب التي تحتاجها شخصيته.

وفي بعض الأحيان يكون هناك شعور بمركب نقص لدى الإنسان، كأن يشعر بأنه في حاجة إلى مزيد من الاحترام من الآخرين، أو مزيد من الحب له منهم.

والأخطر من ذلك حين تطغى على الإنسان مشاعر الخوف والفشل والإحباط، وبالتالي، القلق وعدم الاطمئنان، مما يؤثر على حياته، وربما حياة عائلته والمحيطين به كذلك.

وفي الحالات المزمنة لهذه المشاعر السلبية يكون الشخص مصابا بأمراض نفسية، قد تفسد عليه حياته كلها، وتجعلها حياة كئيبة مزرية.

ومهما كانت حالة الإنسان النفسية، ومشاعره الذاتية، فان الطاقة الكبيرة للعقل اللاواعي يمكنها أن تنتشله مما هو فيه، وتنقذه مما يشعر به، وتحول كآبته إلى انشراح، وفشله إلى نجاح، وشقاؤه إلى سعادة. كل ذلك بطرقة سهلة ميسورة مذهلة.

إن طاقة العقل اللاواعي اكبر بكثير من جهود الأطباء النفسانيين. إذ يمكن لأى إنسان أن يصوغ حياته صياغة جديدة، وان يحول الأرض القاحلة الجرداء في داخل نفسه إلى واحة خضراء تفيض بالحياة والانشراح والثقة والطمأنينة والاحترام والحب.

ولعل هذا الجانب من تطبيقات العقل اللاواعي هو أهم واخطر الجوانب، لأنه يستطيع أن يحول حياة الإنسان بين ليلة وضحاها من جحيم اليأس والقنوط، ومرارة الفشل والإحباط، إلى روضة غناء فيها كل معاني البهجة والنجاح والسعادة. أليس ذلك ما يهدف إليه الإنسان؟

المشكلات المادية

تمثل المشكلات المادية، من مال وسكن وطعام ومركب ومقتضيات معيشة، وكذلك الأمور التجارية من ربح وخسارة وغيرها، تمثل كل هذه الأشياء جانبا مهما في حياة الإنسان. فكثير من الناس يعاني من ضائقة مالية تنغص عليه حياته وحياة عائلته. فهناك من عليه ديون تثقله، أو له تجارة خاسرة، أو انه بحاجة إلى مسكن أو مركب، أو التزامات مالية تجاه الآخرين. فتتحول حياته إلى جحيم لا يطاق فهو لا يستطيع أن يجد مخرجا من الهم والغم الذي هو فيه.

ولو علم هذا الإنسان قدرة عقله اللاواعي على حل مشاكله والتغلب على الصعوبات التي يعانيها لضحك كثيرا مما هو فيه. فباستخدام الطاقة الهائلة لعقله اللاواعي استخداما صحيحا يستطيع هذا الإنسان أن يتغلب على مشاكله، وسداد ديونه، والوفاء بالتزاماته، وجعل تجارته رابحة، وتحقيق ما يريده ويحتاج إليه من مال وسكن وغير ذلك.

ولا يتصور القارئ أن العقل اللاواعي يغير نفسية الإنسان فقط من حالة القلق والخوف إلى حالة الاستقرار والاطمئنان، بل إن ظروف الإنسان المادية ستتغير كذلك. أى انه، وباستخدام العقل اللاواعي، سيصل إلى ما يريده فعلا من أهداف مادية، وسيجد أن حياته المادية تتغير حقا إلى حياة جديدة، فيصبح مكتفيا بعد أن كان محتاجا، وغنيا بعد أن كان فقيرا، وسيجد نفسه يمتلك المسكن بعد أن لم يكن كذلك.

وقد يبدو هذا الأمر، لدى البعض على الأقل، اقرب إلى الخيال منه إلى الواقع. ولكن ليطمئن هذا البعض بان الأمر حقيقة لا خيال، وواقع وليس افتراض.

نعم يستطيع العقل اللاواعي تحقيق كل ما يريده أو يحتاجه الإنسان من الماديات وغير الماديات. والتجربة هي الفيصل في الأمر أولا وأخيرا.

فإذا كنت أيها القارئ تريد حل مشكلاتك المادية، وإذا كنت تريد الحصول على مزيد من المال، أو السكن، أو المركب، أو غير ذلك فان بإمكان عقلك اللاواعي تحقيق ذلك بطريقة مذهلة واكثر بكثير مما تتوقعه أو تتصوره.

وقد تسأل سؤالا وجيها، وهو: إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يستعمل الناس هذه الطريقة ويخرجوا مما هم فيه من الشقاء والبؤس، ومن الفقر والعوز؟

والجواب بسيط جدا: إن ليس جميع الناس يعرفون أو يدركون هذا السر الكبير، سر العقل اللاواعي. ومن يعرفه منهم لا يستخدمه استخداما صحيحا، أو انه غير مقتنع به أو واثق من جدواه.

ذلك فإن الإيمان بهذه الطاقة الكامنة، وبقدرتها الكبيرة على التغيير هو شرط أساس لاستخدامها.

أما أولئك الذين عرفوا هذا الكنز الثمين، واقتنعوا به، واستخدموه بالشكل الصحيح فانهم محققون ما يرونه بإذن الله. وهؤلاء هم الرجال الناجحون في الحياة، سواء كان مقياس النجاح هو الغنى والثروة، أم القيادة والزعامة، أم الإبداع والابتكار، أم البطولة الفذة، أم السعادة الغامرة، أم الصحة الوافرة، أم الاحترام والحب والتقدير من الآخرين. فكل ذلك نجاح. وأولويات كل إنسان تختلف عن أولويات غيره. فأقصى ما يتمناه الرياضي هو أن يحقق سبقا رياضيا، أو رقما قياسيا، وأقصى ما يريده رجل الأعمال هو أن تكون صفقاته ناجحة مربحة، وأقصى ما يهدف إليه المهندس المعماري هو أن يصمم عمارة جميلة يشار إليها بالبنان، وهكذا.

مفهوم الغنى والثروة

الغنى مفهوم نسبي، وكذلك الثروة. أما المال فهو وسيلة وليس غاية. ومن حقك أن تكون غنيا، وان تكون ثريا، وان تكون ذا مال. لا عيب في ذلك. فالحصول على المال والثروة بالطرق المشروعة هو هدف مشروع، والتمتع بالمال والثروة على الوجه الصحيح هو أمر مشروع أيضا.

ولكن العيب هو في إساءة الفهم للغنى والثروة والمال. ويجب أن يكون معلوما أن من شروط السعادة الإنسانية أن تكون أهدافك المادية والمعنوية منسجمة مع بعضها البعض. وفي هذا الانسجام معان دقيقة قد تغيب عن البعض. ومن ذلك أن الأهداف المعنوية تدور على الفضائل الإنسانية: الشجاعة، والكرم، والتواضع، والنبل، والشرف، والأمانة، والعفة، والصدق، والإخلاص، والإيثار، وحب الخير، وغوث الملهوف، ومساعدة الفقير والمحتاج ...

وقد تستغرب إذا قلت لك أن من متطلبات الغنى والثراء أن تكون كريما سخيا معطاء، وبقدر ما يكون كرمك وسخاؤك وعطاؤك، يكون قربك من الغنى والثراء. حتى أن واحدا من أعلام المستشارين الغربيين اشترط لمن يريد تحقيق الثروة والمال والسعادة أن ينفق 10% من دخله الشهري على الفقراء والمحتاجين. وقد جاء في الحديث الشريف "ما نقص مال من صدقة". أما الطمع والجشع والشح والإثرة فإنها عوائق وجدران سميكة في طريق النجاح والتفوق.

التسويق

هنالك أموال طائلة تصرف على عملية التسويق للمنتجات والخدمات والأفكار. وتشترك في هذه العملية وسائل الدعاية والإعلان من صحف ومجلات وراديو وتلفزيون، ومعارض، وعلاقات عامة، وغير ذلك.

وتمثل شركات التسويق ووسائل التسويق قطاعا هاما من قطاع الخدمات. وكلها تهدف إلى إقناع الزبون بشراء منتج معين، أو خدمة معينة، أو قبول فكرة بذاتها دون سواها.

وكان فن التسويق، وإلى سنوات قليلة مضت يعتمد على القدرة الإبداعية في الإعلان والعرض. إلا أن آخر ما وصل إليه فن التسويق هو ما يعرف بالموضعة Positioning ( من وضع الشىء)، حيث أحدثت فكرة الموضعة تطورا كبيرا في مجال التسويق عصف بالأفكار القديمة التي تركز على المنتج ذاته، أو على الإبداع في الإعلان نفسه.

تتلخص فكرة الموضعة في أن المهم في التسويق ليس هو المنتج نفسه، وإنما هو فكرة الزبون عن المنتج. وبالتالي فان الهدف من كل جهد تسويقي هو التأثير في فكر الزبون، أى إيجاد "موضع"، أو "موقع" للمنتج في ذهنه. ومن هنا كانت التسمية. فليس شكل المنتج، ولا جودته، ولا حجمه، ولا لونه هو المهم، وإنما صورته في ذهن الزبون هي التي تجعله يتقبل هذا المنتج أو يرفضه.

فإذا استطاعت رسالة التسويق (الإعلان، الصورة، الكلمات) أن تغير من قناعة الزبون، وان تؤثر في فكره، فإنها تكون قد نجحت في أداء مهمتها. وتبدو أهمية هذا الأمر في حالة وجود منافسة من عدد من المنتجات المتشابهة. فإذا كان أمام الزبون خمس ماركات من منتج معين، فما الذي يجعل البعض يختار الماركة الثانية، والآخر يختار الثالثة، وهكذا. لابد إذن أن الأمر يتعلق بقناعة الأشخاص وإلا لتوجه الجميع إلى منتج واحد بعينه.

ولعل خير من أوضح نظرية الموضعة في التسويق هما أليس وتروت في كتابهما "الموضعة"، إذ أوردا فيه كثيرا من الشواهد والأمثلة لإثبات نجاح النظرية. ولكنهما لم يذكرا أى شئ عن علاقة الموضعة بالعقل اللاواعي.

ويمكن فهم الموضعة وتفسيرها تفسيرا واضحا ومقنعا على أنها تأثير في العقل اللاواعي للزبون. وكان نجاح مبيعات سيارات الفولكس واكن الصغيرة، في أمريكا معتمدا على إقناع الناس بان هناك حاجة للسيارات الصغيرة في حجمها، الاقتصادية في استهلاكها للوقود، كما هي الحاجة إلى السيارات الكبيرة الفارهة.

وبفهم نظرية الموضعة على انه تأثير في العقل اللاواعي للزبون يمكن لفن التسويق والدعاية والإعلان أن يقفز خطوة أخرى في طريق فعاليته وتحقيقه لهدفه. إذ يكون هدف التسويق كله هو التأثير في العقل اللاواعي للآخرين.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن التسويق والدعاية والإعلان لا تقتصر على المنتجات والخدمات التجارية فحسب، وإنما تشمل كذلك تسويق الأفكار، والأشخاص كذلك. ففي الدعاية الانتخابية يكون الهدف هو التأثير في العقل اللاواعي للناخبين. وفي التقدم لطلب وظيفة، يكون هدف المتقدم هو التأثير في العقل اللاواعي للمسئولين عن المقابلة الذين يقررون التعيين.

من أين نبدأ

إذا أردت أن تستكشف هذا السر العظيم، وان تضع يدك على هذا الكنز الثمين، وتستخدم الطاقة المذهلة للعقل اللاواعي، فيجب عليك أولا أن تفهم ماهية هذا العقل وطبيعته، وان تؤمن بحقيقته وإمكاناته الهائلة. وقد أوضحت لك ذلك وبينت لك الفرق بينه وبين العقل الواعي، وأشرت إلى طبيعة كل منهما، وذكرت العلاقة بينهما.

ولا باس من التذكير هنا مرة أخرى بان الطاقة الهائلة للعقل اللاواعي موجودة لدى كل إنسان، وأنها طاقة محايدة لا تعرف الخير والشر، ولا تميز بين الخطأ والصواب، وأنها تتعلق بالعالم الداخلي للإنسان، أى تتعلق بذاته، وأنها هي التي تصوغ حياته ومشاعره، وأنها تعمل في حال اليقظة والمنام، وتتحكم بالأفعال الإرادية وغير الإرادية لدى الإنسان.

وذكرت لك بان العقل اللاواعي هو خادم للعقل الواعي ومنفذ له، وأنه يرتبط بالإيمان والاعتقاد أشد ارتباط، بل انه هو الإيمان نفسه. وان العقل الواعي هو الذي يفرق بين الحسن والسيئ، ويميز بين الصواب والخطأ، وهو الذي يتقبل الفكرة أو يرفضها.

وبعد قبول العقل الواعي للفكرة فانه يضع بصماته على العقل اللاواعي فتكون هذه البصمات أو الانطباعات (جمع انطباع) ثابتة راسخة في العقل اللاواعي.

ومهمة العقل الواعي هنا هي حماية العقل اللاواعي من الانطباعات المغلوطة أو الخاطئة أو السيئة. أى انه يقوم بدور الحارس الذي يقبل بعض الأفكار، ويرفض بعضها.

وقلت لك كذلك بأننا يمكننا الوصول إلى العقل اللاواعي والتأثير فيه عن طريق العقل الواعي، أى طريق التفكير. فإذا وضعنا في تفكيرنا أفكارا جيدة، واقتنعنا بها حتى تصبح إيمانا لا يشوبه شك، ويقينا لا يعتريه ريب، فإن هذه الأفكار ستطبع في العقل اللاواعي. وبالتالي سيقوم هذا العقل اللاواعي بتنفيذ هذه الأفكار والانطباعات مستخدما طاقته الهائلة، والتي لا يقف أمامها عائق، ولا يحول بينها وبين النجاح شئ.

وللتوصل إلى تحقيق هذه العملية. أى إيجاد الأفكار المناسبة، أو الأفكار البناءة، ثم حث العقل الواعي على هضمها واستيعابها، ثم الإيمان بها حتى يحصل ذلك الانطباع في العقل اللاواعي. للتوصل إلى هذا كله، يجب أولا أن تتوقف أمام نفسك لتراها على حقيقتها.

إنك تستطيع أن ترى صورتك الجسمية في المرآة. ولكن مطلوب منك الآن أن تتخيل مرآة من نوع آخر لترى صورتك النفسية فيها. لترى جوانب القوة والضعف في شخصيتك، ولترى العناصر السلبية والإيجابية فيها. لأنك بدون أن يرى نفسك رؤية أمينة صادقة لا يمكنك التقدم في برنامجك للوصول إلى القرارات العظيمة لعقلك اللاواعي.

كيف ترى نفسك

إن حياتك التي تحياها بحلوها ومرها، بسعادتها وشقائها، بنجاحها وفشلها، هي تعبير صادق عن رؤيتك لنفسك، أى هي تعبير عن صورتك في المرآة النفسية التي تخيلتها. فمثلا، إذا كنت ترى في نفسك أنك إنسان فاشل في عمل ما، فان هذا الفشل سيكون حقيقة واقعة في حياتك. أى ما دمت مقتنعا بأنك فاشل في أداء ذلك العمل، أو انك لا تستطيع أداؤه، فان الواقع سيكون كذلك.

أما إذا اقتنعت بأنك تستطيع تغيير صورتك في نفسك، أى أن ترى نفسك انك قادر على النجاح، وانك مؤمن بالنجاح، بل انك ناجح فعلا، فان حياتك ستتغير من الفشل في ذلك العمل إلى النجاح فيه. وبقدر ما تستطيع إصلاح صورتك في نفسك، أى رؤيتك لنفسك، بقدر ما تستطيع تغيير حياتك في الواقع.

إذن تتلخص القضية الآن في السؤال التالي: كيف أرى نفسي؟ هل هي طبيعية خالية من العيوب، أم أنها ضعيفة وفيها عيوب وثغرات؟

هل ترى في نفسك نجاحا وشجاعة واطمئنانا وغنى وقوة وحبا واحتراما وصحة؟ أم ترى في نفسك فشلا وخوفا وقلقا وفقرا وضعفا وتخلفا وبغضا وقلة احترام وغضب ومرض؟

اجبني عن هذا السؤال ... أستطيع أن اصف لك حياتك، ومكانتك الاجتماعية، ومركزك المالي، وشجاعتك، واحترام الآخرين لك، وثقتهم بك، وإنجازاتك، ومختلف شؤون حياتك. أستطيع أن أصف لك ذلك كله دون أن أعرفك أو أن التقي بك.

هذه هي الخطوة الأولى والخطوة الحاسمة على طريق استثمار الطاقة الكبيرة لعقلك اللاواعي لتغيير نمط حياتك وإصلاحها في أى مجال من المجالات، تغييرا حقيقيا ماديا ومعنويا.

إذا كانت لديك مشكلات في حياتك، أيا كان نوع هذه المشكلات فانك سوف تجد نسخا منها مطبوعة في نفسك. وإذا كنت تشتكي من مرض فستجد صورة لذلك المرض معششة في نفسك، أى أن عقلك اللاواعي سيكون مطبوعا بختم يحمل اسم ذلك المرض. سيتصرف عقلك اللاواعي تبعا لذلك، وسوف يوجه أجهزة جسمك لجعل ذلك المرض حقيقة محسوسة تشعر بها وتعاني منها.

وإذا كانت مواردك المالية قليلة، فستجد في صورة نفسك شيئا اسمه قلة المورد المالي. بكلمة أخرى ستجد نفسك مقتنعا بان موردك المالي قليل لا يكفي. فتكون هذه القناعة بصمة في عقلك اللاواعي الذي سيستجيب بتوقفه عن العمل على زيادة موردك المالي. الست أنت الذي تقول بان موردك المالي قليل، فليكن كذلك إذن. ذلك أن العقل اللاواعي لا يفهم غير هذه اللغة.

لننتقل إلى شخص آخر وليكن "عمرو"، ولنطلب من عمرو أن يخبرنا عن رؤيته لنفسه في هذا الجانب مثلا، أى جانب المورد المالي. سيجد عمرو في رؤيته لنفسه انه إنسان ميسور الحال، لديه ما يكفيه من الموارد المالية وزيادة. وسنجد البصمة في عقله اللاواعي تقول بان موارده المالية جيدة، وانه ميسور الحال. أى أن عقله اللاواعي سوف يأخذ هذه الحقيقة ويعمل بموجبها. وسنجد انه يوفر لعمرو من الأفكار، والأعمال، والمشاريع، والابتكار، و"الشطارة" ما يجعله فعلا ميسور الحال وذا موارد مالية جيدة.

وقد يتبادر إلى ذهنك استنتاج خاطئ وهو: أن عمرو كان ميسور الحال وذا مال فنتج عنه أنه رأى نفسه كذلك. أى أن واقع الحال لعمرو هو الذي كان سببا في أن يرى نفسه كذلك. استنتاج خاطئ مائة في المائة.

أولا إن عمرو لم يكن غنيا بل انه لم يكن لديه أى مال عندما نشأ وكان شابا يافعا. وبالتالي فإن المال والثروة كان قد حققها هو بعد أن بدأ يزاول عمله وليس قبل ذلك.

ثانيا، وهو الأهم، انك لو استطعت تغيير صورتك في نفسك، لاستطعت أن تصل إلى أى مستوى مالي تطلبه.

ولكن كيف تستطيع أن تغير رؤيتك لنفسك؟ سأخبرك بالطرق والوسائل لتحقيق ذلك. ولكن المهم الآن أن تقتنع معي بان الأمر هو كما ذكرته لك، وليس كما تفترضه أو تستنتجه خطأ.

إذا لم تقتنع بهذا الذي أقوله لك فلا نستطيع أن نتقدم خطوة أخرى في طريق الوصول إلى استخدام عقلك اللاواعي لتغيير حياتك، أو على الأقل لزيادة مواردك المالية إلى المستوى المطلوب.

لننتقل إلى أمر آخر، غير مادي في هذه المرة، أى أمر معنوي. إذ أنك عندما نظرت إلى نفسك وجدت فيها خوفا من التحدث أمام الناس أو خوفا من الكلام أمام الجمهور. إن هذه آفة شائعة تعرف "بالخوف المسرحي". فهناك بعض الناس يخافون من الكلام أمام الجمهور.

عندما ترى في نفسك هذا النوع من الخوف، أى عندما تحس وتشعر بأنك تخاف من الكلام أمام الناس، فان هذه المعلومة سوف تطبع في عقلك اللاواعي فيقوم بالتصرف على هذا الأساس. إذ يقوم بالتحكم في عضلاتك، وفي أوتارك الصوتية، وفي نبضات قلبك، وفي درجة حرارة جسمك، وفي دورتك الدموية، فيجعلها جميعا منسجمة مع الصورة التي تراها أنت في نفسك وهي الخوف.

ولكن ماذا لو استطعت، بطريقة من الطرق، أن تزيل من نفسك، أو من صورتك في نفسك، ذلك الخوف، وتقضي عليه وتستأصله؟

ما سيحدث هو أن عقلك اللاواعي سيستلم معلومات جديدة تقول بأنك غير خائف من الكلام أمام الناس، وسيقوم تبعا لذلك في تنظيم أجهزتك الفسيولوجية من عضلات، ونبضات للقلب، ودورة دموية، بطريقة تجعلها منسجمة مع ما هو موجود في نفسك. وحيث أن ما هو موجود في نفسك ينطوي على الشجاعة والطمأنينة ورباطة الجأش والجرأة، فان أجهزة جسمك ستعمل لتحقيق هذه الحالة النفسية، فلا يزداد نبض القلب، ولا تتوتر العضلات، ولا يرتفع ضغط الدم. هل اقتنعت بذلك أم لا زال لديك شك فيه؟

أيام الطفولة الأولى

يبدأ العقل اللاواعي عمله وأداء وظيفته منذ الأشهر الأولى لولادة الإنسان وحتى نهاية حياته. ولكن العقل اللاواعي، الذي يحدد حياة الإنسان، يتشكل في السنين الخمس أو الست الأولى من عمره. ولذلك فإن لهذه الفترة من حياة الإنسان أهمية أكبر مما يتصورها البعض. فالبصمات التي تترك على عقله اللاواعي، والانطباعات التي ينطبع بها هي التي تصوغ اتجاهاته وميوله وأنشطته، وبالتالي فهي التي تحدد نجاحه وفشله، وسعادته وشقاؤه، وصحته وسقمه، بأمر الله.

يتبع

 

...


 

 


Consulting | Training | Courses | English | Articles |
Top | About Alpha | People | Guestbook | E-mail | Home |

Alpha Training UK Limited
Tel: +44 (0161) 225 9646
Fax: +44 (0161) 248 5858
E-mail: Enquiry@AlphaTraining.Co.UK
URL: http://www.alphatraining.co.uk

Copyright © M A Tikrity 1997