النجاح علم نجعلك تتعلمه والتفوق فن نجعلك تتقنه


التكنولوجيا والإبداع و التنمية
د. محمد التكريتي
 

في محاولات لتفسير عوامل النمو الاقتصادي، عمد كثير من الباحثين إلى تحليل اقتصاديات بعض الدول منذ منتصف الأربعينات حتى أواخر السبعينات، أي لفترة تزيد على ثلاثين سنة. وكان السؤال المطروح أمامهم هو: هل أن لرأس المال، والقوة العاملة الدور الأكبر في النمو الاقتصادي، أم أن هناك عوامل أخرى لتفسير هذا النمو؟ ثم ما هو دور كل من هذه العوامل الأخرى في النمو الاقتصادي؟

وكان احد هؤلاء الباحثين الاقتصاديين "ادوارد دنيسون " قد قام بتحليل النمو الاقتصادي لتسع دول أوربية للفترة 1950 - 1962، وللاقتصاد الأمريكي للفترة 1929 - 1969، وللاقتصاد الياباني للفترة 1953 - 1971. وقد اخذ دنيسون بنظر الاعتبار ثلاثة عوامل رئيسة: العامل الأول هو القوة العاملة بما في ذلك مستوى التعليم، والتدريب. والعامل الثاني هو رأس المال الذي يشمل الثروة العقارية كالمساكن والبنايات، والمكائن والمعدات، والمخزون من المواد، والاستثمارات الخارجية. أما العامل الثالث فقد اعتبره كل ماعدا العاملين الأولين. ويدخل ضمن هذا العامل الثالث، التطور التكنولوجي، والتطور الإداري والتنظيمي ( وهو احد أوجه التقدم التكنولوجي)، وكذلك يدخل فيه عامل الإفادة من الدول المتقدمة الأخرى، ثم حجم الاقتصاد الوطني. وقد أطلق دنيسون على هذا العامل الثالث اسم الإنتاجية.

وقد استنتجت هذه الدراسات أن دور كل من العمل ورأس المال في النمو الاقتصادي لا يزيد على الربع. بينما دور العوامل الأخرى يمثل أكثر من النصف. بكلمة أخرى، إن تفسير النمو الاقتصادي على أساس دالة الانتاج التقليدية (التي ترجع الإنتاج إلى عاملي رأس المال والأيدي العاملة) أصبح غير كاف، لان هذه الدالة لا تفسر الا اقل من 50% من النمو. أما النصف الآخر فيرجع إلى عوامل أخرى على رأسها التكنولوجيا وتقدم النظم الإدارية الحديثة.

ولابد من الإشارة إلى أن هناك عوامل أخرى كثيرة تؤثر في عملية التطور الاقتصادي. وقد لا تكون هذه العوامل مادية وتكنولوجية فقط، بل عوامل بيئية، وثقافية، وروحية. كذلك هناك تداخل في العوامل المذكورة آنفا، فبرامج التربية والتعليم والتدريب تؤثر في القوة العاملة، فترفع إنتاجيتها. كما أنها تؤثر في التطور العلمي والتكنولوجي والذي بدوره يزيد في الإنتاجية.

وهكذا فان التكنولوجيا تزيد الموارد الوطنية إلى أضعاف مضاعفة، وتزيد الثروة، وبالتالي تزيد القوة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. والتكنولوجيا عامل أساس في الإنتاجية، وفي المنافسة العالمية، وهي كذلك حافز للعلماء والباحثين، ورجال الأعمال، وللحكومات أيضا.

ما هي التكنولوجيا
تتألف كلمة "التكنولوجيا" لغويا، من مقطعين Logy و Technique .تعني كلمة "تكنيك" الأسلوب، أو الطريقة، أو البراعة .أما كلمة "لوجي" فتعني العلم أي أن "التكنولوجيا" تعني علم الأساليب والطرق فالتكنولوجيا بهذا المعنى تشمل مجموعة المهارات، والأدوات، والمعدات، التي تستخدم في صناعة معينة، أو عملية معينة. والتكنولوجيا بهذا المعنى منظومة معرفية تتعلق بالمعرفة من جهة، وبالمجتمع من جهة أخرى

وتتضمن التكنولوجيا قدرا كبيرا من الأفكار. وبالرغم من أنها اقترنت، تاريخيا على الأقل، بالرأسمالية الغربية، إلا أنها بطبيعتها الذاتية تستوعب جميع الأنماط الاجتماعية، وكل الإرث الإنساني فيما بناه من مؤسسات، وما حازه من عادات. فالتكنولوجيا تخدم (الساموراي) الياباني، والمسلم المتدين، والصناعي الأمريكي، والشيوعي السوفيتي. إنها عالمية، ولا تستطيع أن تحتكرها امة، أو طبقة، أو حكومة، أو مجموعة من الناس.

الاختراع والإبداع
إذا أريد للصناعة أن تكون منافسة، فيجب أن تحرص على تحسين وسائل الإنتاج وتطويرها باستمرار، وذلك بالعمل على إيجاد وسائل جديدة، وطرق جديدة للتصنيع والإنتاج. إن عملية إيجاد وسيلة جديدة (ماكينة جديدة، أو أداة جديدة، أو عملية جديدة) هي ما ندعوه بالاختراع والابتكار. الاختراع هو إيجاد وسيلة جديدة لم تكن موجودة من قبل كاختراع التلفون، أو الراديو، أو ماكينة الديزل. أما الابتكار فهو إيجاد وسيلة جديدة مبنية على وسائل موجودة كابتكار التلفون اللاسلكي المبني على التلفون العادي والراديو العادي، أو ابتكار الراديو ذي الموجات القصيرة. وهكذا فالابتكار يتعلق باستخدام العلوم، والمكتشفات، والمنتجات الموجودة لإيجاد منتج جديد أو عملية جديدة.

ولا يقتصر الاختراع والابتكار على المنتجات Products من أدوات ومعدات وآلات، وإنما يتناول العمليات Processes كذلك، كاختراع (أو ابتكار) طريقة جديدة لتعبئة القناني وتغليفها، أو إيجاد طريقة جديدة في استخلاص الزيوت، أو في خزن الوثائق، مثلا.

دورة حياة المنتج
إن كل منتج جديد، أو عملية جديدة، يبدأ كفكرة ويأخذ طريقه إلى السوق مارا بعدد من المراحل. فيقبل عليه الناس يستعملونه حتى يظهر منتج جديد أفضل منه، أو ارخص، فيبدأ استعمال المنتج الأول بالنقصان والاضمحلال حتى يختفي من السوق (مثال التلفزيون الأبيض والأسود والتلفزيون الملون). وقد تطول هذه الفترة إلى سنين عديدة، أو تنقص إلى سنوات أو اشهر قليلة. إن الفترة الزمنية منذ نشوء فكرة المنتج وحتى تلاشيه من السوق هي ما ندعوها بـ "دورة حياة المنتج" Product Life Cycle (PLC).

لذلك تحرص الشركات على تقديم منتجات جديدة أو محسنة باستمرار، وعلى فترات زمنية مناسبة، قد تصل إلى بضعة اشهر في بعض الأحيان، حفاظا على وجودها في السوق. ويعني هذا ضرورة الاستمرار في عمليات الابتكار إن لم يكن الاختراع.

إن تشجيع الابتكار والاختراع وتنظيمها يحتاج إلى عمل دائب، وبذل متواصل للجهد، واختبار للنظريات، وفهم للظواهر، وتفسير لها. ويندرج ذلك كله تحت عنوان رئيس هو "البحث Research". ومن ناحية أخرى فان تحويل الفكرة، أو التصميم إلى منتج حقيقي ملموس قابل للاستعمال هو ما ندعوه بعملية "التطوير Development". وكثيرا ما يقترن هذان النشاطان مع بعضهما في عملية متكاملة هي عملية "البحوث والتطوير Research and Development أو R&D اختصارا. وتنفق الدول الصناعية مبالغ طائلة على عمليات البحوث والتطوير وتشجيع الاختراع والابتكار. ويصل معدل هذه النفقات إلى 3% من الدخل القومي .

وقد بلغ مجموع نفقات البحوث والتطوير في العالم سنة 1990 نحو 350 بليون دولار، منها نحو 160 بليون دولار أنفقتها الولايات المتحدة لوحدها، و5 بليون دولار فقط أنفقتها بلدان العالم الثالث مجتمعة.

إن زيادة الإنفاق على البحوث والتطوير قد لا تؤدي وحدها إلى زيادة معدل النمو في الدخل القومي على المدى القريب. ولكن من المؤكد أن معدلات الإنفاق هذه في العالم الثالث، وبالذات في العالم العربي، هي معدلات منخفضة جدا، إذ أنها تقل عن 0.3% من الدخل القومي.

ونتج عن هذا الضعف والتخلف في القدرة التكنولوجية الذاتية، في العالم العربي، ضعف في القطاع الصناعي، وخاصة في قطاع الصناعات التحويلية، مما تسبب أيضا في ضعف القطاعات الأخرى، كالقطاع الزراعي، فبقي العالم العربي يستورد مأكله، وملبسه، ومستلزماته. ولا يمكن لأمة مستهلكة إلا أن تكون متخلفة تابعة لغيرها. وهذا ما يوجب على الشعوب والحكومات أن تضع قضية العلم، والتكنولوجيا، والتصنيع على رأس .الأولويات في خططها وبرامجها، وان تستنفر جهودها للحاق بأمم العالم الأخرى


Consulting | Training | Courses | English | Articles |
Top | About Alpha | People | Guestbook | E-mail | Home |


Alpha Training UK Limited
Tel: +44 (0161) 225 9646
Fax: +44 (0161) 248 5858
E-mail: Enquiry@AlphaTraining.Co.UK
URL: http://www.alphatraining.co.uk

Copyright © M A Tikrity 1997